قصة قصيرة "سباق خاسر" منشورة بالمسار الصحفي عدد 601

قصة قصيرة - سباق خاسر

الأيام تسير بسرعة الريح، ركب "عْوٍيطَةْ"[1]، فتسابقت أمامه المشاهد، لم يعد يرى الأشياء المفردة، بل أصبح يرى خيطًا كبيرًا يضم البيضاء بالرباط. وصل القطار إلى المحطة الأخيرة، توقفت عجلة السكة الفولاذية، وبدأت سرعة الأيام، نزل من القطار الحديدي وركب قطار الحياة.

أسرع الخطى إلى مقصده، كان ينوي أن يجري مباراة في التوظيف، وصل إلى المكان المحدد، وجد نفسه أمام عمارة ذات أربعة طوابق، لم تسعفه خطاه المسرعة لقراءة ما كُتِبَ على واجهتها بحروف فرنسية بارزة. دلف يسأل 'الشاوش"[2] عن مكتب المباريات، فتقدَّمه ثم أشار له نحو مكتب يحمل الرقم عشرة (10).

طرق الباب، سمع صوتًا من الداخل يأذن له بالدخول، تقدم بهدوء وهو ينظر لشخصٍ يجلس وسط ركام من الأوراق، نظر إليه الجالس، وهو يخلع نظارتيه، سأله قائلاً: "تود اجتياز مباراة التوظيف من دون شك؟"

أجاب باندفاع الشباب: "نعم، سيدي!"

أخرج الشخص مطبوعًا، وضع نظّارتيه السميكتين، ثم سأله عن اسمه أجاب: "س-ع-ح".

أضاف الموظف: "وسنُّك؟".

أجاب: "ثلاثٌ وعشرون سنة".

توقف الموظف عن ملء المطبوع، أزاح نظّارتيه، وقال للواقف أمامه "إنك لا تزال صغيرًا يا بني، أدنى سن نقبله في هذه الوظيفة هو خمسة وعشرون سنة".

أجاب الواقف مطأطئًا رأسه: "صغير في سنّي، لكن همومي أكبر بكثير".

رد الموظف:" القانون يا بني، ليس لي ما أفعله".

فهم الواقف أن الأمر ليس مجالاً لأي نقاش، لقد كان يسارع الزمن ليربح الوقت، لكن الواقع يسير بِتُؤْدَةٍ كبيرة، فالعجلة من الشيطان، والتأني من الرحمن، فقرر ألا يستعجل أمره، إذ أمامه سنتان من التريث.

بدأ يبدد فائض الوقت لديه. لم يركب "عْوٍيطَةْ" هذه المرة، إنما ركب قطارًا عاديًا، فتراءت له الأشياء الصغيرة، والمفردة، بدأ بداية جديدة وثقيلة، فاستغرقته لذَّة الخمول وسعادة الركون، واندهش كثيرًا لما أجابه الموظف قائلا: "لا يا سيدي، إننا لا نقبل من تجاوز سن الخامسة والثلاثين؟"

 

---

[1] "عْوٍيطَةْ" اسم القطار السريع ما بين مدينتي الدار البيضاء والرباط على اسم البطل الأولمبي المغربي "سعيد عْوٍيطَةْ".

[2] ("الشاوش"، بالدارجة المغربية تعني البواب.)