Overblog
Edit post Follow this blog Administration + Create my blog

Abdelhamed Sahban عبد الحميد سحبان

Abdelhamed Sahban عبد الحميد سحبان

"قصة قصيرة "يوم القوامة

Posted by Abdelhamed Sahban on October 30 2022, 20:34pm

Categories: #قصة قصيرة

"في هذا اليوم العظيم، سيظهر العدل الجليل وستُقَوَّمُ العيوب بعد نشر غسيل الذنوب، وسيتأكد للجميع حقيقة أن الحياة ليست إلا غرورا في غرور"، أوقفت قهقهات أحد الجالسين الخطيب من الاسترسال في رسم صورة مهيبة عن هذا الحدث الجلل، قال وسط غمغمات المستمعين: "سيقع جور شديد بعد أن يضغط ضابط كبير على زر صغير، أُو تْعَالىَ تْشُوفْ لْفْرَاجَةْ دْيَالْ بِصَّحْ !!!".

 صعق الخطيب الذي ظن أن الجالس المستهتر سيخشع لعظمة المشهد، استغفر الله وطلب أن يقيه من شر الخلق، فاستجيبت دعوته على الفور. ظهرت حقيقة الجالس الذي بدا شيطانا متخفيا في جلد طالب علم وهداية. لم ينتبه إلى افتضاح أمره، لكن دهشة وصياح الحاضرين جعلته يفطن بخبثه إلى أن حيلته قد انكشفت بعد أن ردد الجميع وكأنهم في كورال كنائسي محكم الترتيل: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم !!!". تحول في لمح البصر إلى فتاة حسناء ترقص شبه عارية أمام هذا الحشد الكبير من الذكور، وعلى حين غرة تعالى هتاف المعجبين بهذه الأنثى التي حولت الجمع الذي كان مجمع هداية بقدها والتواءاتها المثيرة إلى حفلة غواية وآهات.

أغمض الخطيب عينيه حتى لا يكون شاهدا على ما سيحدث للحاضرين من فتنة، لأن المرأة مخلوق سحري يفقد الرجال عقولهم كما سيحدث لأحدهم؛ كان هادئا وقورا قبل إطلالة هذه الفاتنة، فانبرى لها بعد أن لعبت الرغبة بعقله. كان ينوي عصرها بين يديه ومص رحيقها كزنبور. لم يقض المفتون منها وطره هذه المرة بالذات، وفي ذلك قصة يخجل إبليس نفسه من حكايتها، لأنه كثيرا ما يكتوي بنار زلاته ويقع فيها قبل غيره. عالجـــــته الحسناء الرجيمة بضربة نشرته بها على الأرض كدودة قز، أعادته للتو إلى رزانته، قال وهو يحرك رأسه بقوة ليستفيق من هول اللكمة: "الرغبة تقتل يا مسعود!!!"، حمد الله لأن اللطمة لم تقض على رجولته.

عاد المشهد وكأن شيئا لم يقع، حلقة موعظة يتوسطها رجل صالح أنهى حديثه وينتظر أسئلة الحضور الخاصة بالطهارة الكبرى والصغرى التي كان ضليعا فيها، وكيف لا وهو صاحــــــب كتاب "الفقه الكافي و الحل الشافي في مسائل الوضوء".

أشار لمنصت من الصف الأمامي ينتظر بفارغ الصبر بدء النقاش: "هل مصافحة مجوسي تنقض الوضوء؟ ارتعدت فصائل الضليع الذي لم يسبق له أن صادف مشاغبا من هذا النوع، رد ببداهة: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، أجاب الجالس بسذاجة مفتعلة: "وهل تعارفنا نحن أصحاب الضاد بما فيه الكفاية؟ فجاءه الجواب بطعم الكربة:" فرقة ذوي القربى أشد مضاضة ووقعا". ارتفع صوت من وسط الحلقة مؤكدا: "على الأقل اتفقوا على ألا يتفقوا". تحدث أحدهم مطمئنا: "لا تكن سيئ الظن بهم يا أخي، فلقد اتفقوا منذ أن توصلوا إلى الإجماع على تسمية "ساتلهم" الكبير (عرب Sat) أو (Sept) لا يهم".

 سأل أحد الحاضرين بلهفة: "وماذا عن الفضاء يا شيخ؟ وحتى لا يخرج عن موضوع الوضوء استدرك سائلا: "هل التيمم بأحجار القمر جائز يا سيدي؟ مندهشا لغرابة الفكرة، تساءل العارف بخبايا الوضوء :"وهل انقضت أحجار الأرض الطاهرة.... هل أنت رائد فضاء يا بني؟" رد السائل وهو غير مقتنع بالجواب، لأنه كان يريد ترخيصا صريحا لهذا التيمم الفريد الذي دأب عليه ردحا من الزمن: "أنا حارس الباب الرئيسية للمرصد الدولي للأبحاث الفضائية، وأنوي أن أزور قبر عباس بن فرناس إن شاء الله"، رد العارف مباركا أمنية المتيمم الغالية "الله الموفق".

قال أصحاب الحكمة إننا سنشارك في حرب النجوم القادمة. أردف متحدث قائلا: "إن (عرب Sat) أو (Sept هذا "الساتل" المعجزة ستؤرخ به الأجيال القادمة للوحدة المنتظرة في ميدان التكنولوجيا الفضائية، إنه تحت الإمرة، سنشوش به على رادارات العدو المتطورة". استفهم أحدهم باهتمام بالغ: "وكيف؟  رد المتكلم واثقا: "لأنه من صنع العدو نفسه"، ضحك الرجل الصالح، قطب الشيطان ما بين حاجبيه ثم اختفى.

وجاء يوم حرب الإنسان على أخيه الإنسان، يوم ألقى النسر العملاق قنبلتين نوويتين أتت على الأصفر واليابس. قال عالم متفقه لا رغبة له في الشهرة: "إن الحرب عقاب للجاحدين الزائغين"، في حين قال أحد رجال التاريخ  الشفهي: "إن الحرب عقاب من البشر على البشر"، أما "شتان ما بين التفسيرين" فهو عنوان المقال البارز في الصفحة الأولى لجريدة  الغروب الورقية، لأن علماء النقل بناء على كتبهم يقولون إن العدل الكوني آت لا ريب فيه، في حين يرى علماء الفيزياء النووية بأن يوم ظلم البشر لنفسه سيكون عند تفجيره لجميع قنابله النووية.

وما أن تناقلت وكالات الأنباء خبر سقوط جدار برلين، حتى صاح أحد الحاضرين بصديقه الذي كان قد تراهن معه بقيمة عشرة دولارات إن نجح في تخمين الفرقة التي ستفوز بكأس العالم في لعبة الكرة النووية، والتي كانت أطوارها تدور على صفحة البسيطة من رقعة إلى رقعة، وكانت المقابلة النهائية فيها بين أقوى الفرق العالمية آنئذ الفريق الأحمر والفريق الأبيض:" ألم أقل لك يا مسعود إن الفريق الأبيض هو الأكثر تمرسا في هذه اللعبة المميتة القائمة على حشو الرؤوس المدببة بعبقرية "آنشتاين" الفيزيائية، اطلع بالدولارات العشرة".

-"وماذا عنا نحن !!!"، سأل الرجل الصالح بِلهفةٍ صديق مسعود. ضحك الفائز في الرهان حتى ظهرت أضراسه المسوسة مجيبا: "نملك أجود الملاعب التي ستقام فيها البطولات القادمة، والتي ستكون أكثر تشويقا وفتكا. سترى أن البرنامج حافل بالمقابلات والمواجهات، يمكنك سحب نسخة منه، فهي على "الساتل" العربي وبالمجان، اضغط فقط على زر البرامج من علبة التحكم لديك".

تعجب الرجل الصالح لهذا الجالس الذي بشره شرا، لكن النخوة أخذته ورد بحزم وثبات: "سنبلي البلاء الحسن بإذن الله ". تأكد للفائز في الرهان بأننا مكتوفو الأيدي، وأن "الساتل" سبعة أو ثمانية رادار يشوش على أدمغتنا المبهورة، ويقوي فينا فقط طموح عباس بن فرناس الذي حاول الطيران يوما "أُوجَابْهَا فْي رَاسُو" بعد أن سقط سقطته الشهيرة. علينا ألا نعتمد إلا على عرب-عرب لأن رقم سبعة من أشأم الأرقام والأيام، يخلق الإحباط والخمول في دواخلنا، كما أنه عطلة نهاية الأسبوع ومرادفٌ دقيق للراحة والخمول.

تكلم الشيطان حتى تعب، محاولا إقناع السامعين بفضيلة الجبن والمهانة والخنوع وذم رذيلة البأس والرفعة والإباء. سَدَّ الخطيب أذنيه لئلا تؤثر فيه تداعيات المنهج الحديث في الاستدلال. استخف الحاضرون الذين أخذتهم النخوة لخطاب "الحُڭْـرَةْ" المكشوف:" ليكن في علم الجميع أننا رجال شجعان ولا نخاف، متفننون في الفروسية الاستعراضية، نفرغ بنادقنا باتساق بديع وكأنها طلقة رجل واحد"، تكلمت روح طاهرة من بين الجموع: "متحدون في الإغارة على الفراغ، ولا تستحيون أبدا لأنه لو كان لكم وجه تستحيون به لكانت قَوامتكم بتصحيح مساركم مع عدوكم الأول: الجهل والأمية والتحجر الفكري، قبل أن يهولكم أي ميعاد سماوي أو توقيت أرضي لها."

اختتم الرجل الصالح كلامه متخطيا حدود الوضوء للصلاة الواجبة إلى التطهر الشامل لمواجهة حياة الذل بأن أخد بالصياح في الحضور وقد ركبته العزة بالخزي الذي ضرب أطنابه في الآفاق: "فلنقِم عدلنا قبل أن يدركنا ذلك الذي تنبؤنا به الأديان السماوية أو المعتقدات الأرضية".

 خرج المُتيمم يبكي خوفا من نهايته الوشيكة دون أن يتأكد بعد هل صلاته جائزة؟ هو الذي دأب على التطهر بحجر قمري الأصل سرقه من المرصد الدولي للأبحاث الفضائية. بماذا سيلقى الله؟ هل انقضت الأحجار بالأرض تصلح للتيمم كما قال له الشيخ؟

إن ما يمنعه من الوضوء بالماء روماتيزم عظام مزمن، وما جعله يخاف من التيمم بأحجار الأرض هو تأكيد صديقه الروسي الأصل بأن أحجار الأرض لم تعد صالحة لأي استعمال بعد أن تعرضت لإشعاع نووي بعد فاجعة "تشرنوبيل" البيئية.

مسجلة تحت رقم (18730301022S037)

                      "قصة قصيرة "يوم القوامة
                      "قصة قصيرة "يوم القوامة
To be informed of the latest articles, subscribe:
Comment on this post

Recent posts