"قصة قصيرة "من منا لا يتذوق طعم الزنجيبل

قصة منشورة برابطة القصة القصيرة بسوريا، وبمجلة القصة وبالمنتدى العربي للنقد المعاصر بتاريخ 30 يوليوز 2022

"من منا لا يتذوق طعم الزنجبيل؟!"

- مقتطف من مقامات بديع هذا الزمان -

(نص مشترك، نسخه تلميذ بإملاء من شيخه)

الزنجبيل عشبة نارية لا يمكن لفنان يتقن فن العدو أن يتذوقها: الوقار كالرعونة، اللباقة كالتزلف، السمو كالدناءة، الكل عنده سواء وفي مقام البرسيم، (سترك يا رب). لقد حدثت هذه الحكاية في حلقة علم، يا حسرة، حين تطفل فضولي عليها مدعيا التفقه وهو منه براء؛ وقد صادف محاضرة عن السيرة الكَحْلة[1] الزَّحْلَة[2] لأبي لهب عليه لعنة الله والملائكة والنبيئين والناس أجمعين إلى يوم الدين، ارتكزت على إبراز فداحة الذنب وما نجم عنه من تَبّْ ببلاغة فاقت حدود فهامته. لاحظ العالم الوقور أن الزائر الغريب يتململ في مكانه وكأنه جالس على جمر متقد. تغير لون وجهه وبان قبحه وقد أهين بتطاوله على مجمع ليس أهلا له. فُتح باب النقاش الذي بدأ بحوار راق محلق في سماء المعرفة، لكنه سرعان ما انتهى في وحل التدني والتجني. انفضح وهو يهذي بكلام يشبه التخريف وبنشاز قول لا يفيد. وأمام هذه الفذلكة والسفاهة التي قوبلت باستغراب واستهجان الحضور، وخوفا من اتساع بقعة الزيت. سارع العالم إلى وقف السجال بفتح مجلد ضخم على باب "إفحام قليلي الأفهام". طلب من الغريب أن يقترب ويقرأ منه بصوت عال:

- "أنا لا أقرأ باللاتيني".

هز العالم رأسه وهو يضرب كفا بكف:

- لا تقرأ باللاتيني وتهرف بالعربي!!!

لم يستسغ النزيل الثقيل ابتلاعه للطعم بعد وقوعه في المصيدة التي نصبها لنفسه الأمارة بالسوء. حرر رسالة مجهولة لغم فيها لغامه. دسها متخفيا وراء قصة مبتذلة وتورية مفضوحة، "شْغُلْ الدّْرَاري هَذَا" بالمغربي وبالمصري "شغل عيال". وقبل الشروع في إلقاء درس جديد من دروس الكياسة والأدب وجه العالم الوقور كلامه لعريف الجلسة: " رفقا بنا، اعقل هذا الحِرَّان، وقَيِّدْ جحفلتيه بالحَكَمَة، واجذعه حتى يتعود لسانه على استطعام ما في الزنجبيل من حرارة ومرارة".

 

---

[1]  الكحلة كلمة بالدارجة المغربية تعني السوداء.

[2]  الزحلة كلمة بالدارجة المغربية تعني المنحطة.